تخفيف عقوبة «قاتل مهدي» من «المؤبد» إلىالسجن 15 عاماً
--------------------------------------------------------------------------------
صرخات أهالي القتيل تدوّي من المحكمة بالمنامة إلى قبره بالمحرق
تخفيف عقوبة «قاتل مهدي» من «المؤبد» إلىالسجن 15 عاماً
المنامة - عادل الشيخ ، علي طريف
لم تشفع دموع وأنَّات الفراق المرير لأهالي قتيل المحرق مهدي عبد الرحمن محمد في إقناع قضاة المحكمة بتشديد العقوبة على قاتل ابنهم المحكوم سابقاً بالسجن المؤبد، كما أنه لم تفلح الدفوع القانونية التي أُثيرت طلباً لإعدام القاتل، إلا أنه -وكما يبدو- أن تلك المحامية التي تطوَّعت للدفاع عن القاتل بعد أن امتنع الكثير من المحامين المنتدبين من قبل وزارة العدل للدفاع عنه، توصّلت إلى أن تقنع هيئة المحكمة في أن الجاني لم يقصد القتل، وما إلى ذلك من دفوعٍ قانونية، طالبةً في نهاية المطاف القضاء بتخفيف العقوبة على موكلها المتهم، لتستجيب المحكمة وتقضي بتخفيف عقوبة القاتل من المؤبد إلى السجن 15 عاماً.
يوم أمس (الأحد) لم يكن يوماً عادياً أبداً بالنسبة إلى أهل القتيل، كما أنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى المتهم والمحكمة وجميع من كانوا يترقبون النطق بالحكم.
فبعد عدة جلسات قضائية كان يقف فيها الجاني أمام هيئة المحكمة منفرداً من دون محامٍ، وأمامه النيابة العامة التي كانت تطلب إعدامه، ومن خلفه أهالي القتيل، وبجانبيه مجموعةٌ من رجال الأمن الذين يحيطون به من كل جانبٍ وصوب إلى أن تطوّعت في الدفاع عنه محاميته فاطمة الحواج، من دون أن يعلم مصير ما تبقى من حياته، حدّدت المحكمة نهاية المطاف لقضيةٍ كثيراً ما شغلت الرأي العام وانشغل بها.
فها هي قاعة محكمة الاستئناف العليا الجنائية تضج بالبكاء ومشاعر الحزن من أهالي المجني عليه الذين حضروا الجلسة، بينما تغيّب عنها المتهم ووكيلته المحامية فاطمة الحواج، أما رئيس المحكمة القاضي الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة فكانت له الكلمة الفصل، التي ما إن نطق بها حتى دوّت ويلات وصيحات أخوات وأشقاء القتيل وذويه، من مقرّ المحكمة في العاصمة (المنامة) لتسمع القتيل بمرقده في المحرق، لتؤكد له أنّ تلك الأرواح لن تنساه أبداً ما بقيت.
فأحبّة مهدي لم يستطيعوا أن يكتموا تلك المشاعر التي ثارت فيهم لتذكرهم بكل لحظة مرّوا فيها وعاشوها مع القتيل الذي راح وترك لهم أبناءه وذكرياته الجميلة.
أهالي القتيل:
القضاء لم ينصفنا
إلى ذلك، رفض حراس الأمن دخول أفراد عائلة الضحية قاعة المحكمة للاستماع لقرار القاضي الذي نطق بالحكم الصادر بحق النيابة التي استأنفت الحكم طالبة الإعدام، لتُعلم المحكمة بعدها أشقاء القتيل بحكم المحكمة في استئناف القاتل ضد النيابة العامة والذي يطلب فيه الرأفة وتخفيف عقوبته، إذ قضت المحكمة بتخفيض فترة العقوبة المقررة من السجن المؤبد إلى السجن المؤقت 15 عاماً.
وفي أول تعليقٍ له على الحكم، قال شقيق القتيل لـ «الوسط»: «إن الحكم لم ينصفنا وكنا نتوقع من القاضي تشديد العقوبة وليس تخفيفها»، معتبراً «ما جرى اليوم هي مسرحية، كان دليلها الحركات البذيئة التي كان يفعلها القاتل في الجلسات القضائية السابقة»، متسائلاً : أين ذهبت المحكمة من اعترافات القاتل بقصده القتل وتخطيطه للأمر ونيته في ذلك من قبل؟
شقيق آخر للقتيل، يقف هناك ويصرخ: «هذا الجاني كان متورطاً في ثلاث قضايا شروع قتل سابقاً وله 13 قضية مخدرات أخرى، فكيف تحكمون؟»
أما زوج إحدى أخوات الضحية المحامي سامي سيادي علّق بالقول: «بشكلٍ مبدأي ليس هناك مبررات لتخفيض العقوبة إلى 15 عاماً، إذ ان ظروف الواقعة وما أدلى به الجاني باعترافاته أن هناك تعمدا وسبق إصرار (...) وقد توقعنا الحكم بالإعدام أو كحدٍ أدنى تأييد حكم أول درجة»، أما بشأن أخوات القتيل، فبكاؤهن ونحيبهن إياه كان كافياً ووافياً عن النطق بأية كلمةٍ قد تجيش بخاطرهن.
النيابة: الوقت كان كافياً ليهدأ القاتل ويفكر بتروٍ
من جانبها، طلبت النيابة العامة في استئنافها من المحكمة تصحيح الحكم المستأنف والقضاء بعقوبة الإعدام، إذ تنعى المستأنفة على الحكم المتقدم بالقصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق، قولاً منها بتوافر ظرف سبق الإصرار لدى المتهم باستفزازه المجني عليه لإخراجه من المنطقة، ومن بين ذويه وهو ما حدث فعلاً، إذ تبعه المجني عليه وسار بعيداً حتى انفرد به المتهم وسبقه بسيارته، وإذ نزل المجني عليه من سيارته واتجه صوب المتهم، أطلق عليه الأخير عياراً نارياً في صدره قاصداً قتله فأرداه قتيلاً، بما يتوافر معه ظرف سبق الإصرار، لاسيما وأن الفترة الزمنية التي انقضت بين المشادة الكلامية وبين وصولهما إلى المكان الذي وقعت فيه الجريمة كانت كافية تماماً لأن يهدأ المتهم نفسياً ويفكر في الأمر بتروٍ، وهو ما فعله المتهم الأمر الذي خلصت معه النيابة العامة والمستأنفة إلى طلب القضاء بما سبق بيانه.
الجاني يستأنف طالباً البراءة والرأفة به
وفي المقابل من ذلك، طعن المحكوم عليه في الحكم المتقدم بالاستئناف والدفاع المتطوِّع الحاضر معه -المحامية فاطمة الحواج- التي قدمت مذكرة خلصت فيها إلى إلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءة المتهم مما أسند إليه، وتعديل القيد والوصف إلى جعله ضرباً أفضى إلى موت، واحتياطياً استعمال الرأفة مع المتهم، قولاً منها أنه كان تحت تأثير المخدر، وهو ما تقطع به الأوراق ومن ثم ينتفي القصد الخاص اللازم توافره في جريمة القتل العمد، وهو نية إزهاق الروح ومن ثم يكون القدر المتيقن في حق المتهم هو أنه ارتكب جريمة ضرب أفضى إلى موت، فضلاً عن مكان إطلاق الرصاصة الذي لم يكن مكاناً قاتلاًَ، بما تنتفي معه نية القتل. كما دفعت الحواج بعدم توافر ظرف سبق الإصرار لدى المتهم، لأنه كان في حالٍ من الغضب الشديد بسبب ما وقع من شجار بينه وبين المجني عليه، بالإضافة إلى توافر عنصر الاستفزاز الذي جاء من جانب المجني عليه، ما أفقد المتهم سيطرته على أعصابه وهو عذر يخفف العقوبة، الأمر الذي خلص معه المتهم إلى طلب القضاء بما سبق بيانه.
المحكمة ترد: المتهم تعاطى المخدرات بإرادته
وردّت المحكمة على الدفوع القانونية التي أبدتها الحواج، بالقول: «لا مسئولية على الشخص إذا كان قد فقد الإدراك وقت اقتراف الفعل راجعاً إلى حال سكر أو تخدير ناتجة عن مواد مسكرة أعطيت له قهراً عنه، أو أخذها على غير علم منه، فإن كان ذلك باختياره وعلمه عوقب كما لو كان الفعل قد وقع منه بغير سكر أو تخدير، لما كان ذلك وكان المتهم هو من تناول المخدر بإرادته، ومن ثم فإن جريمة القتل التي ارتكبها تتحقق بها مسئولية، كما لو كانت قد ارتكبت بغير سكر أو تخدير، ومن ثم يكون النص على الحكم في هذا المنحى غير سديد، وإذ كان ما تقدم و خلص الحكم المستأنف صائباً إلى إدانة المتهم وأقام قضاءه على أسباب سائغة تأخذ بها هذه المحكمة مع هذه الأسباب، وإذ خلت أسباب الاستئناف في ضوء ما تقدم مما ينال من الحكم المستأنف الأمر الذي تقتضي معه المحكمة برفض الاستئناف، وإذ إنه في مجال تقدير العقوبة فإن المحكمة تقضي بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للتهم الأولى والثانية والثالثة بجعل العقوبة السجن لمدة 15عاماً بدلاً من السجن المؤبد عن التهم الثلاث السالفة البيان، وتأييد الحكم فيما عدا ذلك على النحو المبين بمنطوق الحكم.
... والمتهم كان غاضباً مضطرباً غير مطمئن
كما علّقت المحكمة في أسباب حكمها على استئناف النيابة العامة «أن جريمة القتل التي ارتكبها المتهم كانت وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج المتهم عن طوره، فأطلق عياره الناري قبل الخلود إلى التروي والتفكير المطمئن فيما هو مقدم عليه، وهو ما تخلص معه هذه المحكمة إلى تأييد الحكم المستأنف فيما خلص إليه في هذا الشأن من عدم توافر ظرف سبق الإصرار وهو ما استنتجته المحكمة معها هذا الاستئناف في غير محله، إذ ان الأمر في النهاية مرجعه إلى قاضي الموضوع، ومن ثم أضحى هذا الاستئناف خليقاً بالرفض».
وانتهت المحكمة في فصلها القضية بالقول: «كانت الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها ضميرها وارتاح لها وجدانها تتحصل في أنه بتاريخ 19 أغسطس/ آب للعام 2006، وأثناء مرور المتهم بالقرب من خباز 24 ساعة الكائن بالمحرق خرج المجني عليه بسيارته على مساره، ما سبب غضبه فحدثت مشادة بينهما تجمّع على إثرها أشخاص، ولما ذكر لهم المتهم أنهم جميعاً قد تجمعوا له للتعدي عليه حال كونه بمفرده قرر له المجني عليه أنه على استعداد للذهاب معه حيثما كان، ثم استقل المتهم السيارة وقرّر لمرافقيه بأنه سيريهما ماذا يفعل بالمجني عليه وتبعه الأخير بسيارته، ثم تجاوزه وأخذ باستعمال الكابح لاستفزاز المتهم، وإذ تمكّن المتهم من تجاوز المجني عليه ووقف بصورة مفاجأة أمامه، ما أجبر المجني عليه على التوقف وقام بفتح نافذة سيارته وسبّ المجني فنزل الأخير من سيارته ومشى بسرعة في اتجاه المتهم الذي كان يجلس على مقعد القيادة، وما أن أصبحت المسافة نحو نصف متر قام المتهم بإخراج سلاح ناري غير مرخص له بحمله وأطلق منه عياراً نارياً على المجني عليه، بقصد قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته».
وأضافت «إن الواقعة على النحو السالف بيانه قد قام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهم أخذاً باعترافه في التحقيقات، ومن شهادة كل من الشهود بالتحقيقات، وما ثبت به كل من تقرير الصفة التشريحية وتقرير مختبر البحث الجنائي، وذلك على النحو المبين بأسباب الحكم المستأنف».
وكانت النيابة العامة أسندت إلى المتهم المستأنف انه في يوم 19 أغسطس للعام 2006 بدائرة أمن منقطة المحرق قتل عمداً مع سبق الإصرار مهدي عبدالرحمن محمد رمضان، بأن بيت النية وعقد العزم على قتله واستدرجه إلى مكان الواقعة، وجهّز سلاحاً غير مرخص له به، وما ان ظفر به حتى أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله، فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي والتي أودت بحياته، بالإضافة إلى أنه حاز وأحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً (مسدس) كما أنه حاز وأحرز بقصد التعاطي مواد مخدره (مورفين وحشيش) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. أما محكمة أول درجة فقضت في جلستها المنعقدة بتاريخ 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، بمعاقبة المتهم بالسجن المؤبد عما اسند إليه في التهمة الأولى والثانية والثالثة، وبمعاقبته بالحبس مدة سنة واحدة وتغريمه ألف دينار عما أسند إليه في تهمة حيازة السلاح، وأمرت بمصادرة السلاح والذخيرة المضبوطة، فيما انتهت محكمة الاستئناف إلى تخفيف العقوبة إلى السجن المؤقت مدة 15 عاماً.